إن تعجب من سيرة حياة هذا الرجل العظيم، فلك الحق في هذا، لأن الرجل كان يعيش بيننا خامل الذكر لا يكاد يعرفه إلا أهل بلده، ثم كتب الله له قبولا في الأرض، وجمع قلوب الناس على حبه في آخر أيامه الكريمة، وإن تعجب فاعجب من توفيق الله له وكيف أن الله حفظ عليه صحته وعافيته حتى آخر أيام عمره، فكان يكد ويتعب ويذهب ويروح من غير كلل أو ملل، وعزيمته ماضية، وإن تعجب فاعجب من زهده في الدنيا وكانت كلها مبذولة بين يديه، وعرضت عليه وكان بإمكانه أن يأخذها من غير بطر ولا عجب ولا تكبر، لكنه أصر على زهادته فيها وأن يجعلها منه بمبعده وتحت موطئ قدميه، وما أظن هذا إلا لإيمانه وتعففه وطلبه للآخرة، ولثقافته التي كونها من كتب الكبار أمثال طه حسين وغيره كما ذكر، ولكن عجبي الأكبر الذي لا يكاد يفارقني كلما ذكرت الدكتور هو حادثة حدثت له ورواها في كل مناسبة أتيح له الحديث عنها، وهي قصته التي كانت سببا في تسخير نفسه لمساعدة الفقراء، يوم أن حكى قصة الشاب الذي مات بين يديه بعد أن اشغل النار في جسده توفيرا لحق علاجه لأخوته كي يطعمون به، لكن عجبي الأكبر ليس في القصة وإنما في الروح التي حكى بها الدكتور هذه القصة، كيف أن الحادثة ظلت أصداؤها في قلبه لا تخمد حرارتها في نفسه، يكاد يبكي كلما حكها، فظلت كالنار التي لا تخمد في قلبه يذكره بالعهد الذي قطعه على نفسه، فكان يقينه وإيمانه يفيضان كلما ذكر تلك الحادثة ودموعه الحرى تنهمر كلما رواها، فعجبي هو من هذا كيف لقصة مر عليها عشرات السنين ظلت حرارتها في قلب صاحبها يعينه على التمسك بالمبدأ الذي آل على نفسه أن يتمسك به طول حياته!
-----------------
الدكتور محمد عبد الغفار مشالي (1944 - 28 يوليو 2020) طبيب بشري مصري عُرف بمصر بلقب طبيب الغلابة.
الخميس، 30 يوليو 2020
الدكتور محمد مشالي واليقين المتجدد
الدكتور محمد مشالي رحمة الله عليه، والحس الحي!
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)
