الجمعة، 9 أغسطس 2019

بين النّزعة الكلبية والتفاخر الطّاووسي



بالغ الدكاترة زكي مبارك -رحمه الله- في وصف أولئك الذين يتدخلون تدخلا سافرا في حياة الناس، فيستفسرون عن كل شيء بدءً من الوِجهة التي يتخذها الناس إذا صادفوهم في الطريق، ثم تدخلهم السافر في معرفة دقائق الأمور في بيتك، ومحاولتهم لتقييم أسعار الفرش والأثاث ومعرفة ما تحويه الحُجرات، ومعرفة ما يملكه الناس من عقارات وأراض وفدادين، مرورا بمرتباتهم وما يتقاضه كلُّ واحد منهم من فلوسٍ قروشا كانت أو جنيهات، حتى وصل إلى تسمية هذا الداء باسم" النزعة الكلبية" (1) وبرهانه على ذلك أن الكلب إذا دخل بيتا لا يترك مكانا ولا بقعةً إلا دخلها وشمها بشرَه فظيع مقيت.. وأحسب أن الدكاترة قد وُفق في تشبيهه جدا، وهذا كان داء عصرهم، حيث كان العيش في الماضي بسيطا سهلا، وكانت محبة التخفي والاستتار ظاهرة في أكثر الناس، وضعف داء المباهة في نفوس الناس، ولا أدري كيف كان الدكاترة زكي مبارك يوصف حالة أولئك المفاخرين بكل ما عندهم الذين نعاني منهم الآن في زماننا، فيصورن لنا كل شيء في بيوتهم وخصوصيات أمورهم، ويلتقطون صورهم حتى من حماماتهم - أعزكم الله- وليس أدل على توصيف هؤلاء بوصف لطيف مليح استملحتُه استلطفته و وهو " التفاخُر الطّاووسيوالحمد لله الذي حبب لنا السكون وبغض لنا التصايح والأفورة!
------
(1) تلك المقالة التي تناول بها هذا الموضوع مأخوذة من كتاب ( الحديث ذو شجون) طبعة دار الجيل- بيروت- الطبعة الأولى 1993م.
ملاحظة: لُقب زكي مبارك بالدكاترة وذلك لحصوله على شهادة الدكتواره أكثر من مرة، وكان بهذا سابقة بين أبناء جيله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق